وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان
الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه يوسوس في صدور
الناس، فيحسن [لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم
لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو
دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على
دفعه.
فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.
وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.
وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد
أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من
أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: {
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
} .
ونسأله تعالى أن يتم نعمته، وأن يعفو عنا ذنوبًا لنا حالت بيننا وبين
كثير من بركاته، وخطايا وشهوات ذهبت بقلوبنا عن تدبر آياته. ونرجوه ونأمل
منه أن لا يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا، فإنه لا ييأس من روح الله
إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمته إلا القوم الضالون. وصلى الله
وسلم على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاة وسلامًا دائمين
متواصلين أبد الأوقات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. تم تفسير
كتاب الله بعونه وحسن توفيقه، على يد جامعه وكاتبه، عبد الرحمن بن ناصر
بن عبد الله المعروف بابن سعدي، غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين،
وذلك في غرة ربيع الأول من سنة أربع وأربعين وثلثمائة وألف من هجرة محمدً
صلى الله عليه وسلم في ب: ووقع النقل في شعبان 1345 ربنا تقبل منا واعف
إنك أنت الغفور الرحيم.